الدميةلتعزيزالرفاهيةالشمولية
29/09/2025
نموذج الرفاهيّة الشموليّة (Triple WellBeing®) وعلاقته ببرنامج "دمية من مكتبة الفانوس"طُوِّر نموذج Triple WellBeing® بعد عقدين من البحث النشِط في مجال الممارسات التربويّة المتجدّدة. يركّز هذا النموذج على ثلاثة أبعاد مركزيّة: البُعد الشخصيّ، البُعد الاجتماعيّ، والبُعد البيئيّ. الرفاهية الشخصيّة- السيدة فاطمة قاسم. (باللغة العبريّة)
البُعد الشخصيّ وتنمية المهارات الذاتيّة
يُقصد بالرفاهيّة الشخصيّة الوعي الذاتيّ، والرحمة تجاه الذات، والحصانة النفسيّة. إنّ اللعب بالدُّمية أداة مهمّة لتعزيز هذا الرّفاهيّة؛ فمن خلال التفاعل معها، يتحدّث الأطفال عن مشاعرهم، يُسقطون عليها تجاربهم، ويتعلّمون مواجهة أحاسيس مُعقّدة. وهنا يكمن مزيج بين بُعد يوفّر مسافة آمنة تولّد شعورًا بالثقة، وقُرب يتيح التماهي. على سبيل المثال: إذا شعر الطفل بالحزن أو الغضب، يمكنه استخدام الدُّمية لمشاركة مشاعره، وإيجاد طرق لتنظيم انفعالاته في بيئة آمنة وداعمة. تساعد هذه الممارسة الطفل على التعرّف إلى مشاعره وإدارتها. إنّ دمج مضامين تربويّة حول المشاعر والخبرات المستقاة من كتب مكتبة الفانوس، ودمج الدُّمية في الحوار بوساطة من المربّية، يمكنهما أن يساعدا الأطفال على معالجة مشاعرهم، وتنمية مهارات ذاتيّة.
تتمثّل الحصانة النفسيّة في القدرة على مواجهة التحدّيات الجديدة، والتعافي من المشاعر السلبيّة، والحفاظ على موقف إيجابيّ بعد المرور بتجارب محبِطَة. تُساعد الدُّمية الأطفال على فهم مشاعرهم والتعبير عنها، والتعامل مع الصعوبات، وتقليل القلق بواسطة تعزيز الإحساس بالسَّيطرة. من خلال الاعتناء بالدُّمية، وتهدئتها، وتقديم النصح لها، يعزّز الأطفالُ حصانتهم الداخليّة ويتمرّنون على إيجاد حلول لمشكلاتهم وللتحديات الحقيقيّة في حياتهم.
البعد الاجتماعيّ
يُقصد بهذا الجانب الوعي الاجتماعيّ، والرأفة بالآخرين، والانتماء، والمسؤوليّة المدنيّة.
يساعد اللعبُ مع الدُّمية الأطفال على إدراك حاجات الآخرين، وتقبّل أوجه التشابه والاختلاف بين أصدقائهم، والتدرّب على تفاعلات إيجابيّة قائمة على الاحترام المتبادل، والشعور بالانتماء. يمكن للدُّمية أن تؤدّي دور "شخصيّة وسيطة" تساعد الأطفال على الاندماج في المجموعة، وتخفّف عن الأطفال الذين يجدون صعوباتٍ في التعبير عن أنفسهم مباشرة، من خلال التحدّث بواسطة الدُّمية أو معها.
يعزّز دمج مضامين من كتب مكتبة الفانوس، التي تتناول الصداقة والمشاركة والتضامن، من الرفاهيّة الاجتماعيّة. من خلال اللعب الجماعيّ بالدُّمية، يتدرّب الأطفال على اتّخاذ قرارات مشتركة، والتنسيق الاجتماعيّ، وتطوير التعاطف مع مشاعر الآخرين؛ ويتعلّمون كيفيّة التعاون، وتقاسم الأدوار، ودعم بعضهم البعض في سياق اللعب.
الشراكة مع الأهل
العلاقة التربويّة المتكاملة بين البيت والرَّوضة ركن أساسيّ في النموّ الأمثل للأطفال. عندما يكون الأهل شركاء فاعلين في العمليّة التربويّة، يشعر الأطفالُ بالأمان والتّفهُّم والاحتواء، ممّا يعزّز شعورهم بالانتماء وثقتهم بأنفسهم. لذلك، يُحبَّذ كجزء من البرنامج الذي يدمج الدُّمية مع قراءة كتب مكتبة الفانوس، أن يُتاح للأطفال استضافة الدُّمية في بيوتهم، لتكون جزءًا من نمط حياتهم اليوميّة. (سيَرِد لاحقًا شرح موسّع حول هذا الجانب).
اللعب بالدُّمية كأداة لتطوير المعرفة، والمهارات، والقيم
يخلق دمج الدُّمية في العمل التربويّ داخل الرَّوضة بيئة دافئة وحاضنة، تُسهم في زيادة دافعيّة الأطفال للتعلّم، وتُحوّل النشاطات إلى خبرة مشتركة ممتعة. تصبح الدُّمية -بفضل وساطة المُربّية- شخصية وسيطة تربط بين الأطفال والمضامين التعليميّة، فتُثير فضولهم وتشجّعهم على المشاركة الفاعلة. يمكّن اللعب بالدُّمية مع الأطفال، والتّدرُّب على مهارات متنوّعة، وتعلّم قيم مركزيّة مثل تقبّل الآخر والاهتمام به، الاحترام المتبادل والاستقلاليّة.
المعرفة
يتيح وجود الدُّمية في النشاط التربويّ إمكانية تعزيز المعرفة بشكل طبيعيّ من خلال اللعب، والحوار، والخيال:
ليست الدُّمية شخصيّة مرافقة فقط، بل هي جسر حيّ بين عالم الأطفال وبين المعارف العامّة التي يطوّرونها:
- المعارف الأساسيّة: من خلال الحوار مع الدُّمية حول قصة أو لغز، يُوسّع الأطفال ثروتهم اللغويّة، ويتدرّبون على مفاهيم رياضيّة (كالعدّ أو التصنيف)، ويستكشفون ظواهر طبيعيّة، ويبدعون أعمالًا فنّيّة مستوحاة منها.
- المعارف المتعدّدة المجالات: تُمكّن الأنشطة مع الدُّمية من دمج اللغة، والعلوم، والفنّ، والتجربة العاطفيّة في نشاط واحد، مثلًا: إعداد "حساء للدُّمية المريضة" يجمع بين التجربة العلميّة، والتعبير العاطفيّ، وكتابة وصفة، ورسم تعبيريّ فنّيّ.
- المعارف الإجرائيّة: تُشارك الدُّمية الأطفال في تخطيط الأنشطة (كيف سنبني لها بيتًا؟ ماذا سنضع في حقيبتها؟) وفي حلّ المشكلات، وفي فهم العمليّات المتوالية، والخطوات.
- معارف حياتيّة: يتحدّث الأطفال مع الدُّمية حول أحداث راهنة، أعياد، تقاليد، أو تغييرات في الرَّوضة والمجتمع، فيربطون بين خبراتهم الشخصيّة والعالم الأوسع من حولهم.
المهارات
- المهارات الذاتيّة (الداخليّة): من خلال اللعب بالدُّمية، يعبّر الأطفال عن مشاعرهم وأفكارهم الداخليّة، ويُنمّون وعيًا ذاتيًّا وقدرة على التعرّف إلى مشاعرهم ومشاعر أقرانهم. كما يتدرّبون على التنظيم الذاتيّ عندما يقرّرون كيفيّة اللعب، ويتعلّمون مواجهة الإحباطات، والتخطيط لمراحل اللعب. يتعلّمون كيف يتحمّلون المسؤوليّة، وذلك من خلال الاعتناء بالدُّمية (إطعامها، إلباسها، تهدئتها) ممَّا يعزّز إحساسهم بالمسؤوليّة الشخصيّة. بالإضافة إلى ذلك، يطوّر اللعب مع الدُّمية القدرة على التفكير بالآخر، والتجاوب بشكل ملائم مع الحالات عاطفيّة والاجتماعيّة المختلفة.
- المهارات الاجتماعيّة (بين الأشخاص): يُتيح اللعب الجماعيّ بالدُّمية للأطفال تطوير مهارات بين شخصيّة ضروريّة، مثل مهارات التواصل والتعاون، وحلّ النزاعات. أثناء اللعب، يجري الأطفال حوارات، يُوزّعون الأدوار، ويتعلّمون الإصغاء لبعضهم. يُوفّر هذا النوع من اللعب فرصًا للتعاطف، وفهم مشاعر الآخرين، وتنمية مهارات التفاوض. بهذا، تُشكّل الدُّمية وسيطًا اجتماعيًا يتدرّبُ الأطفال من خلاله على بناء وحفظ علاقات إيجابيّة، ومُجزِيَة مع أقرانهم.
- المهارات الإدراكيّة (الذهنيّة): يشجّع الحوار مع الدُّمية على تنمية الكفاءات اللغويّة، وتوسيع المفردات، وصقل قدرات التعبير. يظهر تعلُّم الأقران عندما يشرح الأطفال للدُّمية، أو لأترابهم ما يلاحظونه خلال اللعب، يساهم ذلك في بلورة فهم مشترك، وتطوير حوار أكثر تعقيدًا. يمكن لهذا الأمر أن يساهم في تطوير مهارات لغويّة، مثل توسيع معجم المفردات، واستخدام تراكيب نحويّة مُعقّدة (كجمل السبب والنتيجة)، بالإضافة إلى تنمية مهارات الحوار، مثل الإصغاء وانتظار الدّور للتحدُّث.
أثناء النشاط، تُتيح وساطة الطاقم التربوي مع الدُّمية توسيع النقاش حول المضامين والمشاعر التي تنشأ من اللعب، ومن القصص المقروءة، وإدارة حوار حول شخصيات وأحداث القصة. يمكن توجيه الأطفال، وطرح أسئلة عميقة، واقتراح مفردات جديدة للاستعمال، ومساعدتهم على تطوير حوارات تعزّز التفكير والقدرة على صياغة الأفكار بطريقة منظّمة وواضحة. إلى جانب ذلك، يمكن للعب بالدُّمية أن يوفّر مواقف لتطوير مهارات لغوية أخرى، مثل الكتابة الوظيفية أو تدريب الأطفال على القراءة الجهريّة/سرد قصة من كتاب. يمكن للأطفال توثيق تجارب الدُّمية، وكتابة رسائل لها، أو إعداد دفتر يوميات شخصيّ مكتوب أو مرسوم. كما يمكنهم أن يقرؤوا لها القصص، وأن يكتبوا قوائم تتعلق بالعناية بها، ونحو ذلك.
تستطيع المربية تشجيع التّعاوُن بين الأطفال، بل أن تدعو للنشاط المُشترك الأطفال المُستصعبين، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم بهذا الشّكل. يمكن للدُّمية أن تنضمّ إلى أنشطة تعليميّة مختلفة، مثل: الاستماع إلى القصص، والمشاركة في الألعاب التعليميّة، أو في نشاطات فنية، مما يجعل التعلّم ممتعًا.
القيم
يشكّل دمج اللعب بالدُّمية ضمن أنشطة الرَّوضة وبالتكامل مع كتب مكتبة الفانوس منصّة مُبتكرة، وعاطفيّة لترسيخ قيم أساسيّة:
- القيم الاجتماعيّة–التطوُّع: عندما "تحتاج الدُّمية إلى مساعدة" أو "تتطوّع" لتقديم العون، يتدرّب الأطفال على الالتفات للآخرين، وخوض تجارب العطاء، وتنمية روح التضامن والانتماء للجماعة.
- قيم التراث المجتمعيّ: يمكن دمج الدُّمية في فعاليات تتعلَّق بالتراث المحلّي، أو بالذاكرة العائليّة (مثل "الدُّمية تستمع إلى قصة من الجدّة")، ممّا يخلق تواصُلًا حيًّا مع الرموز والعادات.
- القيم البيئيّة: مشاركة الدُّمية في أنشطة كالتنظيف، إعادة التدوير، أو العناية بالحديقة، أو الرِّفق بالحيوان، تعلّم الأطفال تقدير الموارد الطبيعيّة وتُنمّي لديهم وعيًا بيئيًّا، وسلوكًا مسؤولا تجاه الطبيعة.
- قيم التراث الوطنيّ والإنسانيّ: يمكن من خلال الدُّمية التعريف بالرموز والأعياد والقصص الوطنيّة، والتعرّف من خلالها إلى ثقافات أخرى، ممّا يعزّز الهوية والانتماء واحترام الآخر.
- حبّ المعرفة ومتعة التعلّم: بصفتها "شبيهة بالأطفال"، تستطيع الدُّمية أن تطرح الأسئلة، وتُبدي الدهشة من الاكتشافات، وتتحمّس لكتاب جديد، أو لسرد قصتها الخاصّة. وهكذا تخلق الدُّمية حيّزًا يشجّع على الفضول والاستمتاع بالتعلّم، والبحث ومحبّة الكتاب.
بعد القراءة المشتركة، يمكن للحوار المشترك مع الدُّمية أن يتيح معالجة عميقة للقيم، يمكن للأطفال مناقشة سلوكيّات الشخصيات، والقضايا التي طرحتها القصّة، والمشاعر التي أثارتها فيهم. بأسئلة بسيطة تطرحها الدُّمية مثل: "ماذا كنتم ستفعلون أنتم؟"، "لماذا اختار هذا الأمر برأيكم؟" أو "كيف شعرَت؟"، تُخلق فرصة سانحة للأطفال للتعبير عن مواقفهم وأفكارهم، وترسيخ القيم، والتدرّب على الإصغاء والتفكير الأخلاقيّ والتعاطف.
للتوسّع في الموضوع: فيلم "دمية الفانوس" على موقع مكتبة بيجاما (باللغة العبريّة)
إشراك الأطفال والأهالي في العمليّة
وفقًا للنظريّة الإيكولوجيّة لعالِم النفس برونفنبرنر، يتطوّر الطفل داخل منظومات اجتماعيّة متعدّدة، بدءًا من الأطر الأقرب إليه كالرَّوضة، وصولًا إلى التأثيرات الأوسع للثقافة والعائلة. يُقوّي دمج الدُّمية كجزء من حياة الرَّوضة الروابط بين المنظومات المختلفة، إذ أنّ الأطفال لا يعيشون اللعب بالدُّمية بمعزل عن محيطهم الاجتماعيّ. عندما يشارك الأهل في هذه العمليّة، تتعزّز رفاهيّة الطفل الاجتماعيّة، لأنّه يشعر بانتماء أعمق إلى مجتمع الرَّوضة، وإلى العائلة في الوقت نفسه. إنّ إشراك الأهل في العمليّة يُغني تجربة اللعب وقراءة الكتب، ويُقوّي الصلة بين الرَّوضة والبيت، ويوسّع دائرة الخبرات استنادًا إلى ما يحدث في البيت من طقوس وعادات خاصّة وتفاعلات مع أفراد العائلة.
دمج اللعب بالدُّمية في الرَّوضة يُشجِّعُ على التّطوُّر العاطفيّ والاجتماعيّ والمعرفيّ عند الأطفال. فاللعب بالدُّمية يتيح خلق بيئة آمنة للتعبير العاطفيّ، ويقوّي مهارات التواصل، ويشجّع الأطفال على التعلّم القيميّ بأسلوب ممتع وتجريبيّ. عندما يتقبّل الأطفال الدُّمية كصديقة إضافيّة في الرَّوضة، فإنّها تتحوّل إلى أداة جوهريّة في عمليّة تعلّمهم ونموّهم الشخصيّ.
العودة إلى الصفحة الرئيسية للدمية












