דילוג לתוכן המרכזי בעמוד

أدبالأطفاليتحدّثللكبارأيضًا

10/03/2020

نورة صالح

في أعقاب كتاب "مفاجأة"

 

أدرك كُتّاب أدب الأطفال منذ زمن أنّ للبالغين تأثيرًا كبيرًا على أدب الأطفال، فهم الذين يقومون بشراء الكتاب والاطّلاع عليه، والقرار هل يُقرّأ للأطفال أم يبقى على الرّفوف، وبالتّالي هم القادرون على المساهمة في بيعه وانتشاره أو تجاهله واندثاره. ونتيجة لذلك، انتشر التوجّه المزدوج في قصص الأطفال، والذي ينصّ على مخاطبة البالغ من خلال النّصّ وليس الطّفل فقط. ولا يقتصر ذلك على تمرير العبر، وإنّما أيضًا على تمرير كتب الأطفال ذات التّوجه الجديد رسائل مختلفة لكلّ فئة، فالرّسالة التي يتلقّاها الطّفل قد تختلف عن تلك التي يتلقّاها البالغ.

يظهر هذا التّوجّه المزدوج جليًّا في كتاب "مفاجأة" (مكتبة الفانوس، بساتين، 2019-2020)، حيث اختارت الكاتبة والرسّامة، كارولين هَدِلَكْسونو، نموذجًا لصداقة متينة بين أصدقاء مختلفين، فالدبّ والراكون والسنجاب، أصدقاء منذ زمن، يقومون دومًا بفعاليات مشتركة، وينتظرون اقتراب آخرين والانضمام لهم، كالعصافير مثلًا، أو السلحفاة، أو الأرنب. ولكن النّجاح لا يحالف الجماعة التي تكتشف أنّ كسب أصدقاء جدد ليس أمرًا سهلًا، فتقرّر انتظار أن يأتي إليها صديق آخر قد يكون مناسبًا. تنقل الكاتبة بذلك رسالة للأطفال أنه بالإمكان التقرّب من أشخاص يختلفون عنّا، وبأنّ كسب صديق جديد لا يكون سهلًا دائمًا.



أما الرّسالة للبالغين فتظهر مع اكتمال الأحداث، حيث يتزامن انتظار الحيوانات للصديق الجديد مع وصول عائلة من أهل المدينة لقضاء يوم داخل الغابة. عندها يسارع الأصدقاء الثّلاثة لتخطيط مفاجأة لاستقبال "أصدقائهم" الجدد، فيباشرون في تزيين المكان، والتدرّب على حركات بهلوانيّة لإثارة المرح لدى الأصدقاء الجدد، ويحضّرون الأطعمة المختلفة، ويصنعون قبعات للحفلة على أمل أن تكون المفاجأة كفيلة بكسب صداقة الزائرين الجدد.

لكنّ المفاجأة تنقلب إلى فعل سلبيّ في نظر العائلة، حيث يخاف الأب والأم من الحيوانات ولا يدركان المعنى من حركاتها، وبعثرتها لأغراض العائلة، والاستيلاء على طعامها. ويُلاحظ من الرّسومات ردّ الفعل العكسي للأطفال الذين فرحوا جدًا بهذه المفاجأة. ويلفت هذا الأمر الأنظار إلى علاقة الأهل بأطفالهم، فكثيرًا ما يخطط الأولاد للقيام بعملٍ جيّد للتعبير عن حبّهم للعائلة، إلا أنّ الأمر قد ينتهي أحيانًا ب"كارثة" كأن تنكسر مثلًا قطعة ثمينة في المنزل، أو تعمّ الفوضى فيه. وهنا تتوجّه الكاتبة بطريقة غير مباشرة للأهل الذين يقرأون القصّة مع أطفالهم، تقول فيها إنّ الطّفل يحاول أحيانًا أن يقوم بعملٍ ما، ولكن بسبب عدم معرفة الطرف الآخر نواياه إضافة لعدم درايته بكيفية التخطيط، قد ينقلب الأمر للعكس. الوعي لهذه النقطة، قد يلطّف من شعور الأهل بالغضب ويحفّزهم على التّفكير في نوايا الطّفل التي كانت وراء العمل، وإرشاده في كيفية التخطيط بشكل أفضل للمفاجآت القادمة.

يساعد أدب الأطفال المختصّ بهذا التوجّه في إنارة أذهان الأهل والأطفال من خلال جلسة دافئة يقرأون فيها ذات الكتاب، ويأخذ كلّ منهم مفاهيم وعبر خاصّة به.