דילוג לתוכן המרכזי בעמוד

الفنّانةفاتنجريسجرّوستحكيالقصّةوراءالرّسومات

26/04/2021

حاورتها نورة صالح

بدايةً، عرّفينا بنفسك.
أنا فاتن جرّوس جريس، فنّانة ورسّامة لكتب الأطفال، وخرّيجة مساق الرسم لكتب الأطفال في دفيئة "حكايا"، وأختصّ بتقنيّة الكولاج وقصّ الورق. أعمل عاملة اجتماعيّة ومستشارة تنظيميّة، وأقدّم لطواقم الحاضنات والمربّيات ورشًا نظريّة عن أهميّة الرّسومات في كتب الأطفال، وورشات عمليّة في فنّ الكولاج.

 

تستخدمين أسلوب الكولاج في رسوماتك دائمًا. ما السرّ من وراء اختيارك أسلوب الكولاج لرسم قصص الأطفال؟

خلال مشاركتي في ورشات دفيئة حكايا انكشفت على رسّامي أدب أطفال وعلى تقنيّات رسم كثيرة، ولكنّي تواصلت مع طريقة الكولاج بشكلٍ عميق أكثر. يعود هذا لأنّ الكولاج أتاح لي إمكانيّة إضافة أو إزالة تفاصيل حتى آخر مرحلة من العمل. هذا يعني أنّ الكولاج، على عكس تقنيّات الرّسم الأخرى، لا يعمل وفق خطّ النّهاية الذي يصل إليه الرسّام عند الرّسم. أجد أنّ تقنيّات الرسم الأخرى أكثر تقييدًا، وأنا أحبّ أن أرسم بحرّيّة.

خلال عملي في الكولاج، أستخدم مجلّات وجرائد وقصاصات أوراق مستعملة. كما أستخدم أغراضًا عينيّة، على سبيل المثال، شال الجدّة هو عبارة عن قماشة بيضاء حقيقيّة، وغزل البنات هو عمليًّا كرات صوف. عندما أبدأ البحث عن فكرة معيّنة لإنتاج شيء معيّن، أندهش من كثرة الاحتمالات المتاحة لي، ممّا يشجّعني على الاستمرار في الرّسم بالكولاج. عالم الكولاج هو عالم مفتوح على احتمالات وإمكانيات عدّة، فهو مبنيّ على الاستحداث، فيمكنني أن أصبغ الأوراق بألواني المفضّلة وأن أصنع بعدها أيّ شيء من الورق.

بالإضافة إلى ذلك، توفّر طريقة الكولاج الوقت عند العمل على بناء الشّخصيّات بدقّة. مثلاً، بدلًا من قضاء ساعات على تحديد وجه وأنف الشّخصيّة، لديّ القدرة على ابتكار وجه جاهز ومتكامل، وأنف دقيق، وأن أكرّس كلّ الطاقة والدقّة في ابتكار شخصيّات جديدة من عوالم ومجالات وسياقات مختلفة.

 

 هل تشعرين أنّ للرسّامة مساحة واسعة عند إعداد الكتب، أم أنّ توقعات الكاتب أو الكاتبة من الرّسومات تطغى على أفكارك؟

أنا أقرأ النصّ بشكلٍ عميق قبل أن ألتقي مع الكاتب أو الكاتبة. أبلور خلال القراءة الأوّليّة انطباعاتي الشّخصيّة عن الكتاب، وأقوم بتحديد الفكرة المتخيّلة للرّسومات الخاصّة بالنصّ. بعد هذه المرحلة الأوّليّة، ألتقي مع الكاتب أو الكاتبة لتبادل الأفكار، والنّقاش، والحديث عن الرّسومات. من تجربتي وتعاملي مع بعض الكتّاب والكاتبات، أكاد أجزم أنّ الكتّاب يميلون للاعتقاد بأنّ الرسّامة سوف تترجم النّصّ بصريًّا بشكلٍ حرفيّ، ويتوقّعون أن تنقله من مرحلة النّصّ المكتوب إلى مرحلة النّصّ المرئيّ. أنا أوضّح دائمًا أنّني أستوحي فكرة الرّسومات خلال عمليّة إنتاج الكتاب، ولا أنقل النّصّ بحذافيره على صورة رسمة. أصل دائمًا في النّهاية إلى حلٍّ يرضي جميع الأطراف، ولذلك أعمل بشكلٍ مريحٍ وحرٍّ أثناء مرحلة البدء بتحضير رسومات الكتاب.

 

هل يختلف عمل الرّسامة بحسب نوع الكتاب الذي ترسمه؟ هل تختلف رسوماتك لقصّة معيّنة عن رسوماتك لكتاب شعريّ؟

بالطّبع، فالقصّة تتطلّب سيرورة معيّنة لأنّها تعتمد على حبكة وتسلسل معيّن. عادةً ما تكون شخصيات القصّة ثابتة ولا تتغيّر، وتدور أحداث غالبية القصص في مكانٍ واحدٍ. هذا يعني أنّ خلفيّة النصّ جاهزة وموحّدة لكلّ شرائح وصفحات القصّة. أمّا الكتب الأخرى، مثلاً كتاب "هدايا صغيرة" للكاتبة شهربان معدّي، والّذي يعتمد على صورٍ شعريّةٍ مختلفةٍ ومستقلّةٍ في كلّ صفحة، فهي تتيح لي العمل بحريّة أكثر. أنا أستمتع أكثر برسم هذه النوعيّة من الكتب، لأنّ كلّ رسمة هي إبداع خاصّ ومتجدِّد، وكلّ صفحة هي بمثابة تحدٍّ جديدٍ لي كرسّامة حتى أختار الخلفيّة والتفاصيل. أحيانًا تحتاج كلّ صفحة لشخصيّةٍ جديدةٍ، أو تطرح فكرة مختلفة، ممّا يمنحني إمكانيات أوسع في التعبير والابتكار.

 

ما هو أكثر بيت شعري في كتاب "هدايا صغيرة" استعصى على الرّسم؟

كان هناك بيت شعريّ مفتوح للتّأويل في النّصّ الأوّل الذي صدر عن دفيئة حكايا. يقول البيت: "عطسةٌ قويّةٌ تثير هرجًا ومرجًا". عندما وصلت لهذه الصّفحة، قرّرت أن أتركها جانبًا وأن أكمل تجهيز بقيّة الرّسومات. برأيي، مصطلح "الهرج والمرج" مفتوحٌ للخيال. هناك أشياءٌ كثيرةٌ في عالم الأطفال تسبّب الهرج والمرج، فأيّها أختار؟ كانت لديّ أفكارٌ كثيرةٌ بعضها صعبٌ جدًّا للرّسم، والبعض الآخر لم يعجبني بما فيه الكفاية حتّى أرسمه. في النهاية قرّرت أن أرسم رفيف على الأرجوحة وهي تطير بفعل عطسةٍ من البابا. عندما تمّ تغيير النّصّ في طبعة مكتبة الفانوس، لم تبقَ هذه المعضلة، لأنّ النّصّ الجديد وصف الرّسمة الموجودة وصار: "عطسة البابا تطيّر رفيف وترفعها عاليًا".

 

كيف التقيت مع الكاتبة شهربان معدّي، وهل كانت لديك ملاحظات على النّصّ؟

الكاتبة شهربان هي خرّيجة دفيئة حكايا مثلي. علّقتُ ذات مرّة بعضًا من رسوماتي على الحائط في أحد معارض الدفيئة. عندما مرّت شهربان برفقة زوجها على رسوماتي، حدث أمرٌ طريفٌ حيث تمنّيا لي النّجاح وقالا إنّه ربما سيجيء يومٌ تكتب فيه شهربان قصّة وأقوم أنا برسمها. عندما عُرضت نصوص الكاتبات خرّيجات الدفيئة علينا للبدء في العمل، تواصلتُ مع نصّ شهربان أكثر من النّصوص الأخرى، وتحقّقت الأمنية! سعدتُ بذلك لأنّ شهربان كاتبة مرهفة الحسّ مكّنتني من العمل معها براحة مطلقة. ولكن، ما منح الكتاب رونقًا خاصًّا هو التّناغم فيما بيننا، وانسجام كلّ منّا مع نصّها سواء الكلامي أو البصريّ.

لم تكن لديّ ملاحظات على النّصّ، لكنني أعتبر الرّسومات نصًّا آخر للأطفال في سنّ الثّالثة. الأطفال لا يقرأون النّصّ ولكنّهم "يقرأون" الرّسومات بأنفسهم، ويستخرجون منها تفاصيل غيّبها النّصّ المكتوب، وهذا يعزّز ثقة الطّفل بنفسه لأنّه قادرٌ على الاستنتاج والفهم من خلال الرّسومات.

 

ما هي أكثر رسمة تحبّينها في الكتاب؟

أحبّ كلّ رسومات الكتاب، فكلّ واحدة منها هي نتاج عمل كثير وطويل بالنّسبة لي، ومشيت معها خطوات ومراحل حتّى الشّعور بالاكتمال. ولكنّي أحبّ الغلاف المزّين بالهدايا بشكلٍ خاصّ، وأعتبر الكتاب ككلّ هديّةً خاصّةً يُمكن أن يُهدى كما هو دون إضافات.