مايميّزهم
12/05/2019
في أعقاب كتاب "زياد فوق جبل النّورس"
قد تثير فينا قصّة "زياد فوق جبل النّورس" الكثير من المشاعر، وتذكّرنا بالعديد من المواقف التي نشاهد فيها أطفالا، وربّما نحن، مثل زياد، مختلفين، يحاولون جاهدين أن يكونوا مثل الآخرين، ليكونوا جزءًا من المجموعة وفي منأى عن الوحدة.
وُلد زياد بلا أجنحة في مجتمع يُولَد فيه الإنسان العادي مع أجنحة تمكّنه من الطيران. في واقعنا، يُولَد البعض دون قدرات معيّنة مثل السمع أو النظر أو مع إعاقة معيّنة قد تجعلهم في نظر المجتمع مختلفين. هناك طبعًا الاختلاف الأقلّ حدّة مثلًا في الطول، ولون البشرة والقدرات التعلّميّة. وبمعنى آخر، الاختلاف ليس نادرًا، بل هو موجود حولنا بأشكال متفاوتة ودرجات مختلفة.
ماذا عن مشاعر أولئك الأطفال الذين يعتبرهم المجتمع مختلفين؟ لعلّ من أصعب ما قد يشعر به الإنسان، وكم بالحري إذا كان مع إعاقة، هو الوحدة، ذلك أنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته. فمنذ أوّل نشأتنا نحتاج للأسرة، وتتوسّع حلقات انتماءاتنا المختلفة داخل المجتمع بحسب مراحل حياتنا. وكثيرًا ما تشكّل الإعاقة التي قد نُولد معها صعوبات في الانتقال للحلقات الأوسع من المجتمع.
ما الحلّ وكيف نكون عنصرًا مساندًا؟
الجانب الأوّل من الحلّ يتطلّب تقبّل الطّفل لذاته كما هو مع إعاقته، وهو أمر يحتاج إلى بذل طاقاتنا في تقوية شخصية الطّفل ليكون قادرًا على مواجهة اعتبار الآخرين له بأنّه مختلف، لتجاوز هذه المواقف بشكل سليم.
كيف؟
نبدأ بحبّ كبير يملأ داخله بدفء يتحوّل إلى قوّة مع السّنوات. تشير أبحاث كثيرة للفرق الواضح في التّعامل مع الصّعوبات عند الأطفال المختلفين نظرًا إلى طفولتهم والعلاقات العائليّة الأولى. أولى النظرات التي يحصل عليها الطّفل هي من عيون أقاربه. رغم الاختلاف، علينا أن نكون مقنِعين بقولنا أنه قويّ وله ميزات رائعة. ولكي نقنِع غيرنا علينا أوّلًا أن نقنع أنفسنا. علينا أن نقبل حقيقة كون طفلنا مختلفًا، وعدم إسماعه عبارات مثل "أنت لست مختلفًا"، لأن طفلنا أيضًا يعيش الواقع ويراه. فرغم رغبتنا بأن يكون أطفالنا المختلفون مثل الآخرين، إلّا أنّهم حقّا مختلفون. لهذا من الأفضل التعبير عن مدى حبّنا لهم وكم نراهم مميّزين في العديد من الأمور. هكذا، نستطيع تحويل نظرة أطفالنا لأنفسهم من وجهة نظر ما يميّزهم وليس ما ينقصهم.
الجانب الثّاني من الحلّ يكمن في تقوية أطفالنا المختلفين على إيجاد البدائل والحلول. هذا ما رأيناه في قصّتنا لهذا الشهر. زياد وصديقته ساره فكّرا في فكرة رائعة لتمكين زياد من الطيران. أمّا عائلته فخططت وساعدت في التّنفيذ. هكذا تكون الحياة. عندما نواجه المصاعب علينا أن نكون أقوياء من الداخل والخارج معًا. فبالإضافة إلى المشاعر والعالم الداخلي، من واجبنا تزويد أطفالنا بآليات وطرق تساعدهم في حلّ المصاعب اليوميّة التي تواجههم في معايشة عالمهم الخارجي.
الاختلاف حقيقة لن نلغيها بل نعيش معها بكل قوّتنا وكل سعادتنا.
بقلم الاختصاصيّة النفسيّة العلاجيّة رنا منصور عودة