حدودهمالسماء؟
08/01/2020
في أعقاب قصّة "الغيلم الذي أراد أن يتسلّق جبل ايفرست"
"مهران" هو غيلم أراد أن يتسلّق جبل ايفرست تحقيقا لحلم جدّه الذي سمعه منه قبل موته. حلم شخص عزيز تحوّل إلى حلم شخصيّ حاول الغيلم تحقيقه خطوة بخطوة.
قد يتساءل المرء خلال قراءة القصة التي توزّعها مكتبة الفانوس هذه الأيام على تلاميذ الصّفّ الثّاني: ما الدافع الذي ساعد مهران على تحقيق الحلم؟ هل هو حلم جدّه، أم حلمه الشخصي؟ ولعلّ السّؤال الأكبر الذي قد يراودنا هو: أحقًّا السماء هي حدودنا؟ هل فعلًا نستطيع تحقيق ما نصبو إليه؟
ممّا لا شك فيه أنّ الأحلام هي محفّز قوي لأفعالنا. لهذا نحن نرسم أحلاما حول مستقبلنا، ونسعى إلى تحقيقها. قد يكون بعض هذه الأحلام بسيطًا كأن نحصل على لعبة معيّنة في مناسبة قريبة، أمّ البعض الآخر فيحتاج إلى مجهود لتحقيقه، كأن نحلم بأن نكون رسّامين أو أطبّاء وما إلى ذلك. ولكن بعض الأحلام يشبه حلم الغيلم في قصّة "الغيلم الذي أراد أن يتسلّق جبل ايفرست"، حلم مستحيل من وجهة نظر من يسمع به. كيف نتعامل مع هذه الأحلام؟ هل علينا فعلًا حثّ أولادنا وفقا للمقولة "حدودك السماء"، أو وفقًا لما قاله الجدّ لحفيده مهران: "يستطيع الواحد منّا تحقيق حلمه، إن أصرّ"، أم علينا أن نساعدهم في فهم صعوبة تحقيق بعض الأحلام، كما حاولت الحيوانات في قصّتنا أن تفعل؟
تشير العديد من التّجارب الحياتيّة والأبحاث العلميّة أيضًا إلى أنّ الدافع كفيل في أحيان كثيرة بتحقيق الهدف، حتى وإن كانت القدرات الشخصية محدودة. سمعنا عن أصحاب إعاقات تمكّنوا من تحقيق أحلامهم (اقرؤوا مقالة "أحيانا تحقق النبوءة ذاتها"، حول كتاب "حلم على رِجل واحدة" الذي وزّعته مكتبة الفانوس عام 2018 على المدارس).
كثيرًا ما نتنبّأ تلقائيًّا بالحكم على احتمالات تحقيق أولادنا لأحلامهم، بناءً على تصوّرنا لقدراتهم من جهة وعلى خوفنا عليهم من الاحباط عند الفشل من جهة أخرى. ولكن...
قدرات الشّخص الفرديّة لا تتلخّص في قدرته الجسديّة أو الذهنيّة، وإنّما هي تعادل مجمل القدرات المختلفة بما فيها القدرة النفسيّة التي تساعد الفرد في تخطّي الصعوبات. أمّا السرّ الأكبر في قصص النجاح غير المتوقّعة، فيكمن فيما نزرعه كبالغين في نفسية الطفل، ويترجمه هو إلى "وقود" يحرّكه وقت الصعاب.
كيف يتمّ ذلك؟
لا بدّ أنّنا نتردّد أمام الصعوبات، فنتوقّف لنفكّر أو حتى نخاف. في هذه الوقفات تتعلّق الخطوة التالية، سواء الاصرار على وصول الهدف أو التخلي عنه، بما نحمله داخلنا من مخزون الدّافعية الذي ذوّتناه من أهلنا أو البالغين المؤثّرين على حياتنا وأحلامنا. فإن كنّا نحمل بداخلنا إيمان أهلنا بقدرتنا على تحقيق الأحلام حتى تلك البعيدة في السماء، فإن وقفتنا لن تطول بل سنتابع المسير حتى بلوغ "المستحيل". أمّا إن كان المخزون غير كافٍ، فقد نلتفّ عائدين إلى محطات تكون فيها الأحلام أصغر وأقرب للتحقيق.
هذا المخزون يبدأ من ذوينا ويتأثّر بكل بالغ أو كلمة نسمعها عند بناء أحلامنا. لذا، من الهامّ جدًّا تعبئة مخزون الدافعية لدى أولادنا ليكون لهم سندًا في وقفاتهم المستقبليّة. إذن، هل السماء هي الحد؟ هذا يتوقّف على ما في داخلنا من دافع ينبض بإيمان من حولنا ويؤثر بالتالي على إيماننا بأنفسنا ويساعدنا في تخطي العقبات.
احلموا وانشروا الحلم! فإذا كان الغيلم قادرًا على تسلّق جبل ايفرست فمن المؤكّد أنّ كلّ فرد فينا قادر على تسلّق جباله.
بقلم الاختصاصيّة النفسيّة العلاجيّة، رنا منصور عودة