דילוג לתוכן המרכזי בעמוד

لاتفوّتواسحرالرّسومات:قراءةفيكتاب"البحر رأى"

17/12/2020

نورة صالح

حول كتاب "البحر رأى"

تأليف ورُسومات: طوم ﭘِرْسِفال | ترجمة: د. جودت عيد | النّاشر: "تخيليت"

 

تؤدّي الرّسومات في أدب الأطفال دورًا أبعد من تجسيد النصّ المكتوب إلى نصٍّ مرئيّ؛ فأحيانًا تعطي الرسومات معلومات إضافيّة ومهمّة للقارئ تساعده على الرّبط بين الأحداث وفهم سياق وأبعاد القصّة. وأحيانًا أخرى تكون الصّورة غنيّة بذاتها فلا تحتاج إلى أيّة كلمات. كما أنّ هناك حالات تعمد فيها الرّسمة إلى إبراز مشاعر أو أحداث معيّنة أو إيصال الشّعور بالزّمن عن طريق الألوان. فكيف يتجلّى هذا كلّه في قصّة "البحر رأى" التي وزّعتها مكتبة الفانوس على تلاميذ الصّفوف الأولى؟

لكلّ لون دلالته، ومع أنّ بعض الألوان تحمل عدّة دلالات متناقضة كاللّون الأحمر الذي يرمز للحبّ والغضب والخطر إلخ.. إلا أنّ السّياق العام للصّورة يمكّننا من استخراج المعنى المقصود منها.

استخدم كاتب ورسّام القصّة، طوم برسفال، الخلفيّة البيضاء لإبراز صوفيا، الشّخصيّة الرئيسيّة، حتى يلفت انتباه القارئ إليها، فاللّون الأبيض هو لون محايد في هذا السّياق، يلغي إمكانيّة أن ينشغل القارئ بأيّ تفصيل آخر غير الذي اختاره الكاتب ليكون جزءًا من الحبكة. ويتكرّر هذا الأسلوب عدّة مرّات داخل القصّة، إذ تحضر الخلفيّة البيضاء في كلّ مرّة يودّ فيها الكاتب أن يحصر انتباه القارئ في حدث واحد دون أيّ تأثير خارجيّ.



نرى أيضًا أنّ الألوان مرّرت مفهوم الزّمن، الزّمن الماضي مقابل الزّمن الحاضر. هناك مثلًا الصّور المعلّقة على الحائط في بيت صوفيا، مرسومة باللون البنيّ والأصفر الباهت ممّا يدلّ على القدم وعلى مضيّ الكثير من الوقت، ومنها يمكننا أن نفهم أنّ والدة صوفيا ليست على قيد الحياة. بالمقابل وفي ذات الصّفحة نرى صوفيا ووالدها في ألوان بارزة وحيويّة للدلالة على الزّمن الحاضر للقصّة.

تستمرّ لعبة الألوان في الرّسومات حتى نهاية القصّة، مرورًا بلحظة سقوط دبدوب. فعلى صفحتين متقابلتين، نرى دبدوب بلونه الأصفر البارز، يسقط من الحقيبة التي صارت سوداء وصبغت معها كل الخلفية باللّون الأسود. هكذا يتمّ تجسيد وقْع الفقدان الأليم في نفس صوفيا.

ثمّ تختفي الألوان من حياة صوفيا مع اختفاء دبدوب، فنرى البيت الكبير أصبح رماديًّا، وصوفيا تبحث في كلّ زاوية فيه عن أثرٍ لدبدوب. كذلك يصبح شاطئ البحر باهتًا وغيوم رماديّة وغبار تظلّل المكان. حتى عندما صنعت صوفيا قلادة من شال دبدوب، ظلّ اللون الرماديّ يحتلّ خلفيّة المشهد المليء بالحزن والفقدان، فالرّماديّ يعبّر عن الضباب والتيه وغمامة الحزن.

وحتى لا يضيّع القارئ أثر صوفيا التي هرمت، لم يستبدل أيّ من ملامحها الخارجيّة، بالذّات فستانها الأحمر الذي رافقها وميّزها من بداية الحكاية الطّويلة والمليئة بالمغامرات والأحداث إلى نهايتها.

يقرأ الكثير منّا أحيانًا قصّة الأطفال، ويركّز في النّصّ ولا يعير أهمّيّة للرّسائل العظيمة والقصص الخفيّة التي تحملها الرّسومات، وبذلك يضيع اكتشاف إشارات كثيرة يتعمّد الرّسّام وضعها على طول الحكاية، فلا تفوّتوا عليكم سحر الرّسومات.